لدي رغبة ملحّة في النوم !
...
أطفئُ أنوار الإضاءة في غرفتي ..
أمشي متثاقلاً نحو سريري ..
ألقي بجسدي المنهك على فراشي ..
لكنَّ شيئاً ما يمنعني من إغماض عيني ؟!
هذا الجسد الذي لم يرحْ رائحة النوم منذ عشرين ساعة ماضية ؛ يشتهي إغفاءة و لو لسويعات !
علّه يصحو غداً باكراً ليعيد روتين/شريط كل يوم ..
يذكر رعاة السوق ( الأطباء ) أن الأرق أضحى مرض العصر الأول و بلا منازع !
و أنه قد أسقط هيمنة السكّر و الضغط و أمراض الشرايين بالضربة القاضية ؟!
يُصنَّف الأرقُ المتكرر حالة نفسية قد تكون ممرضة ..
و يعلم الأطباء النفسيون أنفسهم أن فترة الأرق ليست مرضاً بحدّ ذاته !
إنما هي عبارة عن زمن يراجع فيه أحدنا شريط الوقائع التي مرّ بها خلال يومه ، و كل يومِ روتين !!
أرمق شريط يومي كاملاً أمامي ، و لا ألحظ إلا ما يقضّ مضجعي !
كان لي اليوم موعد مسبق مع أمي ؛ لكي أقلّها إلى بيت صديقتها التي تتاجر معها في كل شئ ، و ذلك بعد أن ألغت هي موعداً لي يسبق موعدها مع صديق لي بحجة ( أمك ثم أمك ثم أمك ) !!
خمس دقائق فقط من التأخير كان كفيلة بأن تسرد عليّ الوالدة - حفظها الله - بطولاتها التي قاستها جرّاء ظهور الشخص المسمّى /أنا ، إلى سجن العالم الكبير ، مطالبة إياي بتسديد فاتورة الحليب الذي كان يفرزه ثدييها حتى فطامي بعد حولين كاملين !
هي لا تفتأ تذكّرني بأن الجنة تحت أقدام الأمهات ، و أنّ لساني قد يشلّ فور إعلاني لتمردي برفض توصيلها لأحد مشاويرها المضنية حدّ اللي ماني بقايل ..!!
أبي يلمّح لي بوجوب تسديد قيمة إيجار غرفتي القابعة في منزلنا ..
دوماً يوافيني - مع كل جلسة شاهي عائلية - بسجل حسابي الذي أصرفه من جيبه الخاص !
يشدد عليّ بأن مقدار التضخم في الأسواق العالمية قد زاد بنسبة 20% ..
و بمكرمة جديدة من لدنْ قيادته الحكيمة فهو لن يجبرني على دفع شئ ..
و في ذات الوقت ، لن يجبر نفسه أيضاً على ذلك !! ..
صراخ والدي عبر ذبذبات الهاتف الجوال له نغمة مميزة :
- يبدو أنك استلمت مفاتيح السيارة و بدأت في الإنسلال ؟
واللي خلقني و خلقك .. لأقطع عليك المعونة ؟
.. بسرعة ، روح الحين و غيّر الأنبوبة !
أحاول أن أخطب وده و أتودد إليه ، مذكّراً إياه بأن مكافأة الجامعة قد شارفت على الإنقضاء ، و أني لا أملك مبلغ البنزين لكي أعود إلى المنزل !!
.
.
.
دائماً ما يردد علينا أستاذنا في االجامعة بأننا طلاب فاشلون و لا نصلح إلا لحمل شهادة خريج عاطل عن العمل !
لا أعلم لماذا يقضّ هذا الدكتور مضاجعنا منذ الآن بهذه الأخبار التعيسة كطلّته ..
ما زال يتبقّى أمامي ثلاث سنوات حتى يتحقق ما يقوله !
لماذا لا يدعنا نستمتع بحياتنا حتى حينه ؟
كم هو شرير هذا الدكتور !!
حتى عامل البقالة لا يريدني أن أستمتع بهوايتي في عدّ الباقي الذي صرفه لي ..
يقول لي : أنت سعودي ؟!
و مافيه مشكل إذا انت فيه خسارة عشرة ريال !!
آه يا ربي !
هل كل العمال المستقدمين إلينا أغبياء مثل هذا العامل ، أم أنهم يستغبون ؟!
.
.
.
أختي الصغرى - ذات الخمس سنين " القعدة " - تبكي لأني لم أجلب لها عروسة باربي التي وعدتها بها ..
تصرخ و تقول : واللهِ الكذب حرام !
قبل أن يسقط وجهي أستدرك ، وهي تفترش حضني :
- حبيبتي .. باربي هذه كافرة و ما تصلي ، و ماتغطي شعرها .. قليلة الأدب !!
أصلُ و إياها إلى حل وسط بأن أشتري لها باربي المسلمة ( فلـة ) و هي تلبس العباءة !
لا أدري .. لعلي أسألها غداً ؛ هل هي تعرف بأنهم قد اخترعوا للفتيات بكيني إسلامي ؟؟!
لا أظنها تعلم ، فـ space toon لا تدري ؟!
أختي الكبرى - مدرّسة - تثقلني بطلباتها المهمة لها كثيراً و التافهة عندي كثيراً !
طلبت مني أن أشتري لها عاجلاً سنكرس و بسكويت أبو ولد ..
و أن أذهب للخيّاط لأجلب لها قطعة القماش التي تود أن تلبسها الأسبوع القادم في حفل مجلس الأمهات في مدرستها التي التحقت بها حديثاً !
ليس في قاموسي مفردات التذمر أو الرفض أو الأفأفة ..
فهي سريعاً تصدمني بقولها : إن شاء الله تبغاني أنا أروح أسوق السيارة ؟؟
أوووه ..انتهى حبر الأرق وتصلّبت المفاصل !
و يبدو أني سأغطّ في نوم عميق ..
و سأصحو غداً باكراً لأذهب إلى السوق علّني أظفر بالسنكرس و بسكويت أبو ولد !!
فقط ..
حتى أثبت لكل منظمات حقوق المرأة التي تهذي بما لا تدري ..
أن المرأة السعودية لا تحتاج إلى قيادة السيارة !
ما دام أن ولي أمرها الذي سيلتحق بركب العاطلين ما زال محسوباً ضمن الأشياء الموجودة في هذا الكون !!
..
و رزقي و رزق العاطلين على الله !
.
